إن اطلاعنا على التشبيه المقلوب في اللغة العربية سيؤكد لنا أن لغتنا هي اللغة الأجمل والأروع والأكثر دقة، ويكفيها ويكفيناً فخراً أنها لغة القرآن الكريم.
تتميز اللغة العربية بتنوع ألفاظها وعذوبتها، وبمفرداتها السهلة ذات المعاني الساحرة، فهي اللغة الأكثر قدرة على أن تكون جسر تواصل بين مختلف الأمم، والتي يمكن عبرها صياغة أجمل المعاني والتعابير الأكثر سحراً.
فالتناغم والدقة جعلها اللغة الخالدة التي يمكن الاعتماد عليها في مختلف أنواع الكتابة، كالكتابة الأدبية التي تعتمد على المحسنات اللفظية والتناغم والتشابيه، أو الكتابة العلمية الاكاديمية بما تحتاجه من دقة وترابط وفهم عميق.
التشبيه في اللغة العربية:
لكي نفهم ما هو التشبيه المقلوب في اللغة العربية؟ سنحاول أولاً التعرف ما هو التشبيه باللغة العربية؟.
عندما نقول (علاء كالأسد في القوة)، فإننا نكون قد أشرنا إلى القوة الكبيرة التي يمتلكها علاء عند تشبيهه بالأسد أقوى الحيوانات البرية وأكثرها شجاعة.
أو عندما نقول أن (سمير مثل حاتم الطائي بالجود والكرم)، فإننا نكون قد استخدمنا التشبيه في اللغة العربية، بعد أن أشرنا إلى الكرم الذي يتسم به سمير والذي يصل إلى كرم حاتم الطائي أكثر من اشتهر بكرمه عند العرب عبر الزمان.
فالتشبيه في المثالين السابقين فيه دلالة على أن المشبه يشترك مع المشبه به بأمر ما، باستخدام أداة من أدوات التشبيه.
للتشبيه ركنين رئيسيين هما طرفي التشبيه (المشبه والمشبه به)، بالإضافة إلى وجود أداة التشبيه مع وجه التشابه.
فعندما قلنا أن (علاء كالأسد في القوة)، فقد كان طرفي التشبيه هما علاء والأسد، فعلاء هو المشبه، والأسد هو المشبه به، وحرف الكاف أداة التشبيه، والقوة هي وجه الشبه.
أما المثال الثاني (سمير مثل حاتم الطائي بالجود والكرم)، فقد كان حاتم الطائي وسمير هما طرفي التشبيه، فحاتم الطائي هو المشبه به، وسمير هو المشبه، وأداة التشبيه هي مثل، أما أوجه الشبه فهي الجود والكرم.
وبالأمثلة الماضية نجد أن وجه الشبه يجب أن يكون في المشبه به أقوى وظاهر أكثر مما هو موجود عند المشبه، وهذه هي النقطة الأساس التي سنجد في الفقرة اللاحقة أنها تختلف بين هذا النوع من التشبيه وبين التشبيه المقلوب في اللغة العربية.
ما هو التشبيه المقلوب في اللغة العربية؟
كما لاحظنا في التشبيه فإن المشبه به يكون أقوى من المشبه في ناحية وجه الشبه، ولكن في حال جعلت المشبه هو الأقوى لناحية وجه الشبه، فأنك ستكون أمام التشبيه المقلوب.
وبناءً عليه يمكن تعريف التشبيه المقلوب في اللغة العربية بأنه جعل المشبّه مشبهاً به، وذلك للادعاء بأن وجه الشبه يكون لدى المشبه أقوى، وفي هذا مبالغة لإظهار ما يمتلكه المشبه من وجه الشبه.
ولذلك فقد سمّي بالتشبيه المقلوب لأن المشبه يكون مشبه به، بينما يكون المشبه به هو المشبه، ويعتبر هذا النوع من الصياغة اللغوية أحد أنواع التجديد بالأساليب البلاغية واللغوية القديمة.
وإلى جانب المبالغة في إظهار وجه الشبه لدى المشبه، فإن التشبيه المقلوب باللغة العربية له قيمة أخرى، فهو يكسر الرتابة والتكرار، فالتشبيه في اللغة العربية بات فيه الكثير من التكرار، وهو ما يمكن كسره باستخدام التشبيه المقلوب.
أمثلة عن التشبيه المقلوب في اللغة العربية:
· (الأسد مثل علاء في القوة)
فهنا نجد أننا بدل أن نشبه علاء بأنه بقوة الأسد، فقد قمنا بتشبيه الأسد على أنه بقوة علاء، وبالتالي كان علاء هو المشبه به والأسد وهو المشبه، وذلك للمبالغة وإظهار القوة الكبيرة التي يمتلكها علاء.
· “وبدا الثلج ببياضه كثوب عروس ليلة زفافها”
نجد هنا أن المشبه به هو ثوب العروس يوم الزفاف، والمشبه هو الثلج الأبيض، وهذا أمر معاكس وفيه مبالغة وخروج عن المألوف، لأن المعتاد والطبيعي أن يكون المشبه هو ثوب العروس يوم الزفاف، والمشبه به هو الثلج الناصع البياض.
وهنا جاء التشبيه المقلوب في اللغة العربية لإظهار مدى المبالغة بشدة البياض لثوب العروس يوم زفافها.